يعد حسن الخلق وحسن التعامل مع الغير من الصفات الحميدة لدى الإنسان المسلم كما اخبر بها رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في حديثه “ ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن “وكم هو جميل أن يتعامل الأنسان بوجه بشوش وخلق حسن وأبتسامة جميلة مع من حوله وخصوص موظفي الاحول المدنية والذين لهم ارتباط مباشر ويعملون في خدمة المستفيد .
و يبقي السؤال: هل أنت راضي عن تعامل موظفي الجهات الحكومية معك كمستفيد؟
فى الصباح الباكر ذهبت الى السجل المدنى لاستخراج بطاقة الرقم القومى لى احد الاصدقاء فى سجل مدنى «أبوتشت» وهو أول مراكز محافظة قنا.
كان مبنى السجل المدنى مزدحما جدا، وموظفو السجل المدنى يتعاملون مع المواطنين من خلال شبابيك عالية، بحيث يصعب على المواطنين الوصول إلى الموظفين للاستفسار الكامل عن الإجراءات التى يجب اتباعها لاستخراج أوراقهم المطلوبة.. كان المشهد يوحى بالتعالى والنظرة الدونية التى تنظر بها الدولة للمواطنين.
ومثلى مثل أى مواطن مصرى أول ما يطرأ على ذهنه عندما يواجه زحاما فى المصالح الحكومية، أن يتصل بأحد أُولِى السلطة والنفوذ لتسهيل مهمته من خلال علاقاته بأحد الموظفين بالمصلحة.
اتصلت بأحد ذوى العلاقات الواسعة للحصول على توصية خاصة، تسمح لى بتجاوز الطوابير والزحام.
وبالفعل فى خلال10 دقائق كنتُ أجلس فى مكتب الموظف المسؤول بعيدا عن زحام الشباك.
فى مكتب الموظف لم أستطع أن أنفصل عن مبادئى، فعاتبتُ الموظف عتابا مهذبا – بقدر المستطاع – للطريقة التى يعاملون بها المواطنين.
سألتُه بشكل مباشر: لماذا تتعاملون مع الناس من خلال شبابيك عالية ومرتفعة؟
أجابنى بهدوء : إن المواطنين هنا (يقصد فى أبو تشت) لا يصطفون فى طوابير منتظمة، وإنما يتدافعون على الشباك بأجسادهم مما يعيق تنفس الموظف الذى يقف على الشباك، لو أن الشباك كان فى مستوى المواطنين.
كان رده مستفزا، ولكن ربما فيه شىء من الحقيقة.
سألته مرة أخرى: لماذا يعامل الموظفون المواطنين بتعالٍ وكبرياء ولا يجيبون على كل أسئلتهم؟ قال لى: (يا أستاذ محمد تعال اقعد معانا ساعتين وانت تفهم).
ثم سحبنى من يدى وأجلسنى بجواره على الشباك، لأتمكن من مشاهدة نموذج ومثال حى للتعامل مع الجمهور.
كانت امرأة بسيطة وريفية فى الأربعينيات من عمرها.
قال لها الموظف: (هاتى صورة بطاقة والدك يا ست).
فقالت له ببراءة: ولدى مين ؟ نظر الموظف لى ساخرا ولسان حاله يقول : صدقتنى؟ ثم نظر لها غاضبا وقال: (أبوكى يا ست. ليكى كام أب)ثم وقال لها بكل غضب وبصوت عالى اذهبى بعيدا عن هنا.
هنا فقط فهمتُ أن المشكلة فى فساد موظفى الحكومة ليس الحكومة فقط، وإنما ثقافة ومستوى التعليم لدى الأفراد أنفسهم.. وأدركتُ أن الطريق يحتاج لوقت طويل لكى يكتمل.